السؤال: ما حكم الجهاد؟
وهل هو فرض عين أم فرض كفاية؟
وما رأيكم في الجهاد في الشيشان وأفغانستان؟
الجواب: هذه القضية أرجو ألاَّ نكرر ونتعب أنفسنا فيها، من أراد واستطاع أن يتطوع للجهاد في سبيل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فليفعل، وإذا ذهبت للجهاد وتطوعت وهو تطوع ليس بفرض فهو خير من أن تذهب وهو فرض عين عليك، وأنا أتعجب حقيقة من حرص بعض الشباب على أن يقول: إنه فرض، فإن كان المقصود به إلزام الآخرين فلن تلزمهم فتواي ولا فتواك، وإن كان المقصود أنه التزام منك فباب الخير مفتوح، وإذا كان في جيبك ألف ريال، فلا يحتاج أن تقول: أعطوني فتوى أنه يجب على الواحد أن ينفق ألف ريال، تصدق بالألف ريال دون أن يعرف أحد أنك تصدقت.
فخير لك أن تذهب متطوعاً من أن تذهب وهو واجب، لأن المتطوع أمير نفسه، فإذا ذهبت ووجدت الأوضاع صعبة رجعت، وليس عليك إثم، ولو رأيت أنك لا تذهب وتكتفي بالجهاد بالمال فليس عليك إثم، وهذا أفضل.
لكن الإلحاح على مسألة الفرضية؛ هو غير منطقي من النظرة العقلية، أي: لو تأمل الإنسان حقيقة الأمر، وتدبَّر ما في القرآن والسنة وواقع دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحالنا نحن الآن، لعرف أنه لا يمكن أن يكون الجهاد فرض عين على كل مسلم، وإلا لانتقلنا إلى مكانهم هناك، وما كنت تحتاج أن تسألني أو أحداً غيري وهو هنا لم يذهب للجهاد.
وأنا دائماً أقول: لو أني سأقول لك: إن الجهاد فرض عين لما قلته وأنا هنا، بل سأذهب إلى هناك، ثم أقول لك: إن الجهاد فرض عين فالحق بي، كيف أقول لك فرض عين وأنا هنا؟
أيعقل هذا الكلام؟!
إنه غير معقول على الإطلاق.
لكن الكثير دخلوا نفقاً لا يجدون فيه إلا فرض عين وإلا فلا شيء عليه، وهذا غير صحيح، فهناك الفرض الذي فرضه الله، وهناك الندب، والمندوب ما حث الله عليه، من دون إيجاب، وهناك ما يلتزم به العبد التزاماً من تلقاء نفسه.
والحقيقة أن كل من ذهب إلى هناك فقد التزم وألزم نفسه، وعاهد الله على الجهاد في سبيله من تلقاء نفسه، وما فرض أحد عليه شيئاً، ولو بقي هنا ما سأل عنه أحد وما درى عنه، والله سبحانه ما فرض على كل واحد منا أن يذهب، ولكنه رأى أن يذهب، ولو كانت المسألة مسألة وجوب لكان غيره أولى، لأن غيره قد يكون متدرباً، وقد لا يحتاج إلى إذن من والديه، وقد يكون وقد يكون... لكن هذا الأخ ذهب متطوعاً، ونشكره على تطوعه، ونسأل الله أن يتقبل منه، وإن مات أن يتقبل شهادته، وإن عاش أن يتقبل جهاده.
ونقول له: راعِ الظروف، وقدّر رض الوالدين، وألاَّ يعود ذهابك بمشاكل أمنية عليك، ثم إذا ذهبت هل تثبت أم لا.
والإنسان قد يتمنى لقاء العدو ولا يكون ذلك خيراً له، والله تعالى ذكر لنا أمة من الأمم، فقال: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)) [النساء:77]، فما يدريك؟!
فقد تكون أنت الآن في راحة وعافية، مكتفياً بالتبرع بالمال، أو شيئاً من هذا، لكن إذا ذهبت هناك ورأيت النار والصواريخ فقد تندم، وقد يموت المرء وهو مدبر غير مقبل -والعياذ بالله- وهو نادم غير راغب -نسأل الله العافية- فما يدري أحدنا ماذا تكون العاقبة.
فعلى الواحد منا ألا يُحمِّل نفسه من البلاء مالا يطيق، ولكن يجب أن يقدم نفسه للطاعة ويسأل الله التسديد، وأرجو ألاَّ تشغلوا أنفسكم بهذه القضية فرض عين أولا، وهذا يقدم أدلة وهذا يقدم أدلة، فالقضية ليست هكذا، القضية قضية التزام وليست إلزاماً، الالتزام هذا يعود إليك، وإذا أردت أن تذهب فاذهب، ولا تحاول أن تقنع غيرك بأنه واجب، ويمكن أن تقنع غيرك بأن الجهاد عمل صالح وفضله عظيم... وهكذا، فيوافق، ويذهب معك، لكن لو أردت أن تفرض عليه لابد أن يأتي من يقول: ليس بفرض لا عليك ولا عليه، وبالتالي تقول: فلماذا أذهب؟
فأرجو أن تتنبهوا إلى هذا الموضوع... وفقكم الله.